کد مطلب:187326
شنبه 1 فروردين 1394
آمار بازدید:254
و سلاحه البکاء (22)
- الی كربلاء.
همس الفتی فی اذن الدلیل، و قد انفصلت القافلة عن دیار الشام فی رحلة العودة الی أرض الحجاز.
منذ ذلك التاریخ ستصبح تلك البقعة علی شطآن الفرات مقصدا للقوافل الجدیدة و محطة لقوافل اخری.
كان علی الدلیل أن یسلك طریقا آخر غیر طریق التجار و بعیدا أیضا عن طریق البرید، حیث تمرق الخیول سریعة تحمل الأنباء الهامة.
و انسابت القافلة مثل ظفیرة من حریر فی بطون الأودیة متجهة صوب «عین الوردة» أولی محطات الطریق الجدید.
بركت النوق فی «عین الوردة» ثم فی «قرمیسیا» و بعدها «الأنبار» ثم یممت وجهها شطر بقعة علی ضفاف الفرات... بقعة ستشهد میلاد مدینة ما تزال فی مخاض الزمن.
آن «للرأس» أن یعود بعد رحلة دامت أربعین یوما.
[ صفحه 80]
آن للرأس الذی طاف المدن فوق ذری الرماح أن یعود بعد أن رتل القرآن ترتیلا.
عاد رأس السبط بعد أن أیقظ الانسان فی النفوس الآدمیة.. و فی الأرض البذور.
كان الشفق دامیا كجراح الأنبیاء عندما وصلت القافلة كربلاء.
آثار الخیول ما تزال محفورة فی الأرض و التاریخ و فی ذاكرة الانسان...
سهام مغروسة فی الرمال... سیوف مهشمة و بقایا رماد.
قفزت الحوادث الرهیبة الی الذاكرة... تجسدت فی العیون... و تردد صداها فی القلوب.
هرولت «الرباب» الی كومة رمل صغیرة. ضمت رضیعها الشهید. احتضنت الرمال الناعمة.. هتفت بقلب كسیر:
- هلم الی یا صغیری.
و تساقطت قطرات من دمع و من لبن رسمت فی الثری نقاطا ندیة صغیرة.
كان الرضیع غافیا فی أحضان الأرض التی لونها بدمه الرائق. و عندما هومت عیناها، رأت نافورة ماء تنبجس من نحر الشهید..
كان الأطفال یدورون بین القبور كحمائم بریة تبحث عن أعشاشها.
من بعید لاح «جابر».. رجل آزر النبی و نصره و جاء الیوم یجدد.
[ صفحه 81]
العهد مع سبطه.
شم جابر رائحة النبی فهوی یقبل قبر الحسین:
- یا حسین... یا حسین... أشهد انك قد مضیت علی ما مضی علیه أخوك یحیی بن زكریا.
هتف الفتی و قد تجمعت فی عینیه الدموع:
- یا جابر هاهنا والله قتلت رجالنا... و ذبحت أطفالنا و سبیت نساؤنا و حرقت خیامنا.
نهض جابر ینوء بحمل السنین.. أجال بصره الواهن فی القبور و هتف كأنه یخاطب التاریخ و الانسان:
- السلام علیكم أیتها الأرواح التی حلت بفناء الحسین و أناخت برحله... أشهد أنكم أقمتم الصلاة و آتیتم الزكاة و أمرتم بالمعروف و نهیتم عن المنكر، و جاهدتم الملحدین، و عبدتم الله حتی أتاكم الیقین.. و الذی بعث محمدا بالحق نبیا، لقد شاركناكم فیما دخلتم فیه.
قال رجل و قد اتسعت عیناه دهشة:
- كیف و لم نهبط وادیا و لم نعل جبلا و لم نضرب بسیف؟!
و تدفقت كلمات قالها محمد ذات یوم:
- سمعت حبیبی رسول الله یقول: من أحب قوما كان معهم و من أحب عمل قوم أشرك فی عملهم... و الذی بعث محمدا بالحق نبیا ان نیتی و نیة أصحابی علی ما مضی علیه الحسین و أصحابه.
كانت الشمس علی وشك المغیب و قد بدت حمراء حمراء كعین
[ صفحه 82]
تسح دموعا ثقالا.
مسح جابر وجها كان قد تعفر بتراب الحسین.. تمتم بحدیث لحبیبه كان قد سمعه قبل أكثر من خمسین سنة، كان النبی یداعب صبیا فی ربیعه الخامس و یقول: حسین منی و أنا من حسین.
هتف جابر وسط الصمت و كان الفرات یجری تتدافع أمواجه:
- أشهد انی قد سمعت ذلك من حبیبی محمد.
غابت الشمس خلف الرمال الممتدة، و نشر المساء ستائره الرمادیة فوق الأرض، و انبری رجال یدقون أوتاد خیام صغیرة... فزینب ترید البقاء الی جانب أخیها الحسین.
[ صفحه 83]